اللهم لك الحمد خيراً مما
نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد
بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد
بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك،
ولا إله إلا أنت من أطاعك قربته، ومن تقرب
إليك أحببته، ومن عصاك أدبته، ومن حاربك خذلته
وأهنته، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك،
وفي البحر عظمتك، وفي النار سطوتك، وفي الجنة
رحمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك.
لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك
الحمد بعد الرضا، والصلاة والسلام على معلم
الخير، وهادي البشرية، ومعلم الإنسانية،
ومزعزع كيان الوثنية، صلى الله عليه وسلم ما
تعلقت عين بنظر، وما اتصلت أذن بخبر، وما هطل
مطر، وما هتف ورق على شجر، وعلى آله وصحبه
وسلم تسليماً كثيراً.
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياء وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم
هذان بيتان للمجاهد الزاهد عبد الله بن
المبارك رضي الله عنه يدعو فيهما إلى حب
الصالحين، وتولي الأبرار، ومرافقة
الأخيار.......
الولاء والبراء من عقيدة أهل السنة والجماعة
إن الولاء والبراء من عقيدة أهل السنة
والجماعة ، وإن حب الصالحين جعل محمداً عليه
الصلاة والسلام يشتاق لـبلال الحبشي ، وسلمان
الفارسي ، وصهيب الرومي .
إن هذا الدين أخرج صلاح الدين من الأكراد،
ومحمد الفاتح من الأتراك، فجعلهم في سبيل
الله.
إن التولي عن هذا الدين جعل أبا طالب وأبا لهب
وأمية بن خلف في النار، وعقيدة الولاء والبراء
وحب الصالحين وبغض المعرضين هي عقيدة كعقيدة
الصيام والصلاة والزكاة.
والله يصف أولياءه فيقول: وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ [التوبة:71].
فحب الصالحين طريق إلى الجنة، والرسول عليه
الصلاة والسلام يقول عن هذا الحب: { ثلاث من
كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان } وللإيمان
حلاوة وذوق، لا يذوقه أهل البارات والخمارات،
ولا أهل القصور والدور، ولا أهل المناصب
والبساتين، ولا أهل ناطحات السحاب إذا كانوا
بلا إيمان.
فالإيمان له حلاوة يذوقها أولياء الله: {ثلاث
من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان -منها-: وأن
يحب المرء لا يحبه إلا لله } لا للونه أو
نسبه، ولا لمنصبه أو شهامته أو عصبه، ولكن
لأنه مؤمن بالله العظيم.
ويقول سبحانه: الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ
الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] والعداوة تظهر يوم
القيامة، وفي أثر: {أن الله ينادي الناس يوم
القيامة، فيقول: يا أيها الناس! إنني جعلت
نسباً، أو جعلتم نسباً فوضعتم نسبي ورفعتم
أنسابكم، قلت: إن أكرمكم عند الله أتقاكم،
فقلتم: أكرمنا فلان بن فلان وفلان بن فلان،
فاليوم أضع أنسابكم وأرفع نسبي، إن أكرمكم عند
الله أتقاكم }.
وقف حبيبنا صلى الله عليه وسلم على الصفا يعلن
حقوق الإنسان، ويتكلم عن فضل الإنسان، وما
ميزه الله به، وما هو أساس التمايز والتفاضل
بين الناس، فيقول لبني هاشم -أسرة الريادة في
العالم ولا يوجد أشرف من بني هاشم في الكرة
الأرضية- قال: {يا بني هاشم! لا يأتيني الناس
يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من
بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه } والمقصود هنا:
أن من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع
لله، فقد استكمل الإيمان -وهذا هو أساس
الدين-.
قال ابن عمر : [[والله الذي لا إله إلا هو، لو
أنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله وصمت
النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، ثم
لقيت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل
المعصية، لخشيت أن يكبني الله على وجهي في
النار ]].
حب السلف بعضهم لبعض
الشافعي -الإمام العلم- هاشمي، ولكن ما نظر
إلى هاشميته، ولا إلى قرشيته، بل نظر إلى
تعامله مع الله، يقول في البيتين المشهورين:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم
شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في
البضاعة
يقول: أنا عاصي، لكن لا أحب العصاة، وأنا مقصر
في الطاعة، لكني أحب الطائعين، يقول الإمام
أحمد له:
تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم يرتجى نيل
الشفاعة
يقول: من أين خرج الإسلام إلا من بيتكم، ومن
أين أشرقت شمس الرسالة إلا من عقر داركم، فأنت
من الصالحين، ومن مثلك تطلب الشفاعة لصلاحك
وخيريتك.
كان الشافعي أكبر سناً من أحمد ، وكان أكثر
علماً في أصول الفقه والفقه، وكان يزور أحمد
في بيته، فقال له تلاميذه: تزور أحمد وأنت
أكبر سناً من أحمد ، فرد ببيتين يقول فيهما:
قالوا: يزورك أحمد وتزوره قلت: الفضائل لا
تغادر منـزله
إن زارني فلفضله أو زرته فلفضله فالفضل في
الحالين له
فضل الحب في الله
رفعهم الله، لأن محبتهم في الواحد الأحد، وصح
عنه عليه الصلاة والسلام: {أن رجلاً زار أخاً
له في قرية، فأرصد الله في طريق هذا الزائر
ملكاً من الملائكة، فوقف للزائر، قال: أين
تريد؟ قال: أريد فلان بن فلان، قال: ماذا تريد
منه؟ قال: أحبه في الله، فأريد زيارته في
الله، قال: أمالك من نعمة عنده تربها؟- أي:
تردها بقاءها؟- قال: لا. والله الذي لا إله
إلا هو، ما زرته إلا في الله، قال: فأنا ملك
أرسلني ربي أخبرك أن الله غفر لك ولصاحبك }.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا
التقى المسلمان فتصافحا، تحاتت خطاياهما كما
تحت الشجرة ورقها }.
الإسلام يُبنى على الحب، والحب شجرة الإسلام،
ولا يمكن أن تكون ولياً لله حتى تحب أولياء
الله، فمن هم أولياء الله؟
هم أهل المسجد والمصحف والحديث والاستقامة
والخير للمسلمين، قال تعالى: إِنَّمَا
وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ
هُمْ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56].
أثر غياب عقيدة الولاء والبراء
لما مات الولاء والبراء، أصبح الكافر مقدم عند
بعض المسلمين على المؤمن المصلي، ورأينا من
سلخت شعائر العبادة والتوجه إلى الله من قلبه؛
يقدم الكافر الأشقر الوثني على المسلم المصلي
لا لشيء، وإنما لأنه مهزوم من داخله، في قلبه
مرض فزاده الله مرضاً، ينظر لهذا المسلم بعين
الحقارة، وينظر لهذا الأشقر الأحمر بعين
التعظيم والحضارة والمادة والصناعة، وهذا من
الرذيلة التي ما بعدها رذيلة.
كتب أحدهم سؤالاً يقول لنا: أخٌ في شركة إذا
حضر وقت الغداء، تركنا وذهب يتغدى مع
الخواجات.
قلنا: المرء يحشر مع من أحب، فهو يحشر معهم،
ولولا هذه الانهزامية في قلبه، ما فَعَل ما
فَعَل، بل تجد بعض الناس يقدم للكافر من
الخدمات والاحترام مالا يقدم عشر معشاره
لإخوانه المسلمين، لأن صورة الإسلام ما وضحت
في قلبه.
[[عمر رضي الله عنه كتب له أبو موسى من العراق
، فقال: عندنا نصراني وهو كاتب حذق فطن، فهل
يكتب لي؟ فكتب له عمر : لا يكتب لك، فرد أبو
موسى وقال: إنه كاتب حذق، فرد عمر قال: قاتلك
الله! تقربهم بعد أن أبعدهم الله، وترفعهم بعد
أن أهانهم الله، وتكرمهم بعد أن أذلهم الله،
لا يكون لك كاتباً أبداً ]].
إذا علم هذا، فيا إخوتي المسلمين! عاش السلف
على هذا المنهج الرباني: أن تحب الرجل لا تحبه
إلا لله.
{قام عليه الصلاة والسلام خطيباً، فتحدث
فقاطعه أعرابي، وقال: متى الساعة يا رسول
الله؟ فلما انتهى قال: ماذا أعددت للساعة؟ قال
الأعرابي: يا رسول الله! والله ما أعددت لها
كثير صيام ولا صدقة ولا صلاة، ولكني أحب الله
ورسوله، قال عليه الصلاة والسلام: المرء يحشر
مع من أحب } وهذه قضية كبرى في حياة المسلم
تجعله يحب الصالح لنفسه.
معرفة صاحبك وجليسك
قال رجل لـابن المبارك : مع من تنصحني أن
أجلس؟ قال: اسمع مني، قال: نعم قال:
من كان ملتمساً جليساً صالحاً فليأت حلقة مسعر
بن كدام
فيها السكينة والوقار وأهلها أهل العفاف وعلية
الأقوام
في الناس مجالس تقرب من النار والعار في
الدنيا والآخرة، فهناك مجالس في المجتمع من
مجالس جهنم، من مجالس إبليس يدار في بعض مجالس
اللاهين العابثين الاستهزاء بالله ورسوله
وبالجنة والنار ولقاء الله، وبعضهم يستهزئ
بالدعاة والعلماء وطلبة العلم، فالجلوس مع مثل
هؤلاء قطعة من النار والعار والدمار والشنار
في الدنيا والآخرة إلا أن يعظهم وينصحهم، وإن
من الناس من حبه بُعدٌ من الله عز وجل.
قال جعفر الصادق لابنه: [[يا بني! لا تصاحب
ثلاثة، فقد غضب الله عليهم: لا تصاحب عاق
الوالدين فإن الله قد تبرأ منه، ولا تصاحب
الكذاب فإنه يقرب لك البعيد ويبعد عليك
القريب، ولا تصاحب البخيل فإنه يبيعك بأدنى
سبب ]].
إذا علم هذا فليعرف العبد من يجالس، ومن
يؤاكل، ومن يحب، قال صلى الله عليه وسلم في
حديث حسن: {لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل
طعامك إلا تقي } ولما حضرت عمر سكرات الموت
قال: [[ما آسى على الحياة إلا على ثلاث -وذكر
منهم-: رفقة أجلس معهم ينتقون أطايب الكلام
كما ينتقون أطايب التمر ]].
وهؤلاء أولياء الله إمامهم محمد عليه الصلاة
والسلام، ودستورهم القرآن، وبيوتهم المساجد.
ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم
ما يتحف الساري
تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك
الواحد الباري
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي
يسري بها الساري
وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام:
{يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون في
جلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي
}.
عاقبة جلساء السوء
يا إخوة الإسلام! يا شباب الإسلام! أحذركم
جلساء السوء: قوم جلسوا على الأرصفة يروجون
المخدرات ويرتكبون المحرمات ويقاطعون الصلوات،
ويستمعون الأغنيات الماجنات، قوم تخلوا عن
الأدب، وحاربوا منهج الأنبياء والرسل، معهم كل
لهو ولعب، صدوا عن منهج الله، وحرفوا شباب
الإسلام عن بيوت الله.
الجليس السيء مؤذٍ، قال ابن القيم : وهل كان
أشأم على أبي طالب من أبي جهل ؟ أبو طالب أراد
أن يتحرك في سكرات الموت ليقول: لا إله إلا
الله -ولو قالها؛ لسعد في الدنيا والآخرة-
ولكن منعه أشأم الناس عليه.
معلم الخير الزعيم العالمي المصلح عليه الصلاة
والسلام كان عنده حين حضرت عمه سكرات الموت،
فأخذ -صلى الله عليه وسلم- رداءه مسرعاً من
البيت، وعلي بن أبي طالب -الشاب المؤمن- يقول:
يا رسول الله! عمك الشيخ الضال في سكرات
الموت، انظر الولاء والبراء عند علي يقول:
عمك، يعني: أبي الشيخ الضال، لأنه ليس مسلماً
فأخذ صلى الله عليه وسلم رداءه مسرعاً يريد أن
يلحقه في ساعة الصفر -ساعة الموت- التي يذعن
فيها المتكبر، ويسلم فيها الكافر، ويفتقر فيها
الغني، ويلين فيها القاسي، يريد أن يظفر بلا
إله إلا الله، يريد أن يحاج له بلا إله إلا
الله، فدخل فجلس عنده، ولكن الجليس السيء
المجرم السفاك الأجرب أبو جهل كان جالساً من
قبل، فيقول عليه الصلاة والسلام: {يا عمِّ!
قل: لا إله إلا الله؛ كلمة أحاج لك بها عند
الله، فتنحنح أبو طالب واتكأ وأراد أن يقولها،
فقال أبو جهل : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ لا
تقل لا إله إلا الله، فمات على غير لا إله إلا
الله }.
انظر إلى الجليس السيء هامان وقارون كان أحدهم
عن يمين فرعون والآخر عن يساره، فكلما أراد أن
يهتدي ويعلن لا إله إلا الله، خيبوا طريقه
وأظلموا بصائره.
وهذه هي حاشية السوء وبطانة الردى، كلما أراد
أحد أن يعمل خيراً أو وينتج أو ينصر الدين؛
أزوه أزاً وهم شياطين الإنس والجن، فلذلك كان
فرعون في قلبه لا إله إلا الله، يقول له موسى:
يا مجرم! والله إنك لتعلم أنه لا إله إلا
الله، كما قال تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا
أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا
فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء:102] ولكن
رفضها مستشاراه ووزيراه ومفوضاه، كلما أراد أن
يعلن لا إله إلا الله، رفضا ولم يضر المسيرة
الإسلامية إلا جليس السوء.
والعرب تقول: الصاحب ساحب، وهو لصٌ يأخذ منك
ما لا تأخذ منه.
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل ق&#